بون (المانيا) (رويترز) - تمثل التغيرات المناخية خيارا صعبا أمام الحكومات التي عقدت العزم على مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري ومعالجة مشكلة ارتفاع تكاليف المعيشة.
فالاجراءات التي تتخذ لمواجهة التغيرات المناخية تؤدي الى تضخم تكاليف الطاقة حيث يزيد هذا من أسعار الوقود الاحفوري ويشعل فواتير الغذاء من خلال استغلال الاراضي الزراعية لانتاج وقود متجدد.
والان تتزامن أسعار الوقود شبه القياسية وأسعار الغذاء مع تباطؤ الاقتصاد مما أثار اضطرابات في عدة دول بالاضافة الى مطالب بخفض الضرائب على الوقود وتحرير الاراضي الزراعية من أجل الغذاء.
وقال جوزيف ستيجليتز الخبير الاقتصادي الحاصل على جائزة نوبل لرويترز " هذا المكون المهم من الاقتصاد العالمي.. الغذاء والطاقة تعرض لتشويه بالغ بسبب تسعير المياه والهواء ( الخالي من الكربون) بأسعار أقل من أسعارها الحقيقي."
ومضى يقول "مكافحة التغيرات المناخية جعلت ارتفاع أسعار الغذاء أمرا لا مفر منه."
وحاول مسؤولون من اكثر من 170 دولة هذا الاسبوع التوصل الى اتفاق جديد بشأن المناخ في محادثات عقدتها منظمة الامم المتحدة في المانيا تضمنت خطوات مثل تبادل حصص الانبعاثات وزيادة الضرائب لتقليل انبعاثات ثاني اكسيد الكربون التي تسبب ارتفاع حرارة كوكب الارض مما سيزيد من تكاليف الطاقة.
وحاولت قمة عقدت في روما يوم الخميس فتح المساعدات لجوعى العالم وأنحى كثيرون هناك باللائمة في الارتفاع القياسي لاسعار الغذاء على السياسات المناخية التي تدعم استغلال كميات هائلة من محاصيل العالم لانتاج الوقود الحيوي.
وأضاف ستيجليتز أن خفض الدعم الامريكي والاوروبي للزراعة والوقود الحيوي سيؤدي الى خفض أسعار الغذاء لكن ليس هناك اي بديل عن الضرائب على الوقود الاحفوري مثل النفط لخفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري.
وأثارت أسعار النفط القياسية احتجاجات في الشوارع في اوروبا وسببت حالة من عدم الارتياح في امريكا والهند. ويهدد هذا الدعم اللازم لمكافحة التغير المناخي ومن بين اجراءاته أول مناظرة يعقدها مجلس الشيوخ الامريكي بشأن مشروع قانون عن التغيرات المناخية هذا الاسبوع.
وقال هارلان واتسون كبير المفاوضين الامريكيين في قضية التغيرات المناخية يوم الثلاثاء بعد يوم من اعلان البيت الابيض أنه سيعترض على مشروع القانون "من الواضح أن حالة الاقتصاد الامريكي تباطأت مما جعل المناقشة أصعب كثيرا."
ومضى يقول ان تباطؤ الاقتصاد واحتمال ارتفاع أسعار البنزين "بشكل مفاجيء" سبب حالة من التوتر للامريكيين خاصة في ظل الشكوك المحيطة بالمزايا المستقبلية التي ستعود من جراء تخفيف حدة ظاهرة الاحتباس الحراري.
وتهدف السياسات المناخية الى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري مثل ثاني اكسيد الكربون والناتجة من حرق الوقود الاحفوري. لكن شركات المرافق تحمل التكاليف الاضافية من زيادة الضرائب على الكربون وتصاريح الانبعاثات وتوفير الطاقة الشمسية الباهظة الثمن على المستهلك.
ويقدر بير ليكاندر المحلل في يو بي اس أن خطة الاتحاد الاوروبي لتبادل حصص الانبعاثات تمثل ما بين 15 و20 في المئة من أسعار الطاقة الاوروبية. وأسهمت سياسات الطاقة المتجددة بنحو اثنين في المئة لكن من المنتظر ارتفاعها بسرعة في ظل أهداف الاتحاد التي تتسم بالطموح.
وأضاف "من الواضح أن هناك جانبا تضخميا."
ويقول علماء بالامم المتحدة وخبراء اقتصاديون بارزون مثل نيك ستيرن ان تكلفة مكافحة التغير المناخي على النمو السنوي ستبلغ كسورا من المئة لكن هذا سيصل الى متوسط على المدى الطويل يكون له أثر اكبر عاجلا وليس اجلا.
وتتصاعد تكلفة السلع الغذائية المهمة بشدة حيث اقتربت أسعار الارز والذرة والقمح من ارتفاع قياسي. وأدى هذا الى احتجاجات وأعمال شغب في بعض الدول النامية حيث قد ينفق الناس اكثر من نصف دخلهم على الغذاء.
وتؤثر التغيرات المناخية على الغذاء بطريقتين اما مباشرة من خلال أحداث حالات الجفاف الاستثنائية او من خلال رد فعل سياسي لتحويل المحاصيل الغذائية الى وقود حيوي مثل الايثانول لان انبعاثات ثاني اكسيد الكربون الناتجة عنه أقل من تلك الناتجة عن البنزين وهذا هو الهدف من انتاجه.
ويثور جدل بشأن الصلة بين هذه الامور وارتفاع أسعار الغذاء حيث يقدر وزير الزراعة الامريكي ايد شافر أن استهلاك الوقود الحيوي الامريكي من الذرة مسؤول عن ثلاثة في المئة فحسب من الارتفاع العالمي لاسعار الغذاء.
وصرح مسؤول في وزارة الخارجية الامريكية لرويترز يوم الاربعاء بأن أهداف الولايات المتحدة الطموحة الخاصة بانتاج الوقود الحيوي سترفع من انتاج الايثانول التقليدي الى اكثر من مثلي المستويات الحالية.
وأضاف المسؤول قائلا لرويترز "لنقل اننا سنضاعف هذه الى ستة في المئة (التأثير على أسعار الغذاء) فانها ليست القوة المحركة بأي حال من الاحوال. (القوة المحركة) هي النفط والطقس والطلب من السوق الناشئة."
ويمكن أن يرفع التغير المناخي من أسعار الفواتير المستحقة على الاسر من خلال المياه. وزادت "المناطق الشديدة الجفاف" الى اكثر من الضعف منذ سبعينات القرن الماضي وفقا لتقرير نشرته مؤسسة سيتي في يناير كانون الثاني.
والنتيجة ستكون انفاق المؤسسات التجارية مزيدا من المال لزيادة الامدادات من خلال محطات لتحلية مياه البحر وتركيب أنابيب جديدة او خفض الطلب من خلال عدادات المياه وهي التكاليف التي قد يحملونها على المستهلكين.
وقال دان مكارثي رئيس شركة بلاك اند فيتش للمياه ومقرها الولايات المتحدة "في لاس فيجاس حيث لديهم مياه شحيحة جدا.. يرجح أن يدفع المستهلكون مالا" في اشارة الى الجفاف المستمر في حوض نهر كولورادو.